من أرشيفنا الثيوقراطي
«موسم رائع جدا»
عام ١٨٧٠، اجتمع فريق صغير في بيتسبورغ (ألليغيني) بمدينة بنسلفانيا الاميركية، وبدأوا يقومون ببحث في الاسفار المقدسة. فدرسوا بقيادة تشارلز تاز رصل موضوع فدية المسيح وأدركوا على الفور مكانته الهامة في قصد يهوه. وكم ابتهجوا حين علموا ان الفدية تمهد سبيل الخلاص حتى للذين لم يسمعوا بعد عن يسوع! فاندفعوا بكل تقدير الى إحياء ذكرى موت يسوع سنويا. — ١ كورنثوس ١١:
وبدأ الاخ رصل ينشر مجلة برج المراقبة التي دافعت عن عقيدة الفدية معتبرة اياها اعظم تعبير عن محبة الله. ووصفت هذه المجلة الفترة التي احتُفل في اثنائها بذكرى موت المسيح انها «موسم رائع جدا». كما شجعت القراء على احياء هذه الذكرى في بيتسبورغ او اينما كان ضمن مجموعات صغيرة، قائلة: «حتى لو اجتمع اثنان او ثلاثة [او واحد فقط] من ذوي الايمان الراسخ، فالرب يكون حاضرا بينهم».
وكل سنة، كان عدد الوافدين الى بيتسبورغ لحضور الذكرى يزداد اكثر فأكثر. وتضمنت الدعوة العبارة التالية: «قلوبنا الدافئة مفتوحة لكم». وبالفعل، بادر تلاميذ الكتاب المقدس عن طيب خاطر الى توفير المسكن والمأكل لإخوتهم وأخواتهم الروحيين. وعام ١٨٨٦، عُقد خلال موسم الذكرى «اجتماع عام» (اي محفل) دام عدة ايام. ودعت برج المراقبة الناس اليه قائلة: «تعالوا بقلوب تفيض بالمحبة للسيد وإخوته وللحق».
وعلى مدى سنوات عديدة، أقام تلاميذ الكتاب المقدس في بيتسبورغ محافل للمؤمنين بالفدية الذين اتوا لحضور الذكرى. ومع نمو عدد التلاميذ، نما عدد وحجم التجمعات التي عُقدت حول العالم للاحتفال بهذه المناسبة. يتذكر راي بوب من جماعة شيكاغو انه في السنوات بين ١٩١٠ و ١٩٢٠، كان تمرير الرمزين على الحضور الذي بلغ المئات يستغرق ساعات عدة لأن الغالبية الساحقة كانوا من المتناولين.
وماذا عن الرمزين المستخدمين؟ ذكرت برج المراقبة ان يسوع استعمل الخمر في العشاء التذكاري، الا انها اوصت لفترة من الوقت باستخدام عصير العنب الطازج او الزبيب المطبوخ لئلا يتعرض «الضعفاء في الجسد» للتجربة. لكنّ الخمر كانت تُقدَّم للذين اعتبروا ان «النبيذ المختمر هو ما يجب استعماله». ولاحقا، فهم تلاميذ الكتاب المقدس ان الخمر الحمراء الصرف هي الرمز الملائم لدم يسوع.
ان الاحتفال بذكرى موت يسوع اتاح فرصة رائعة للتأمل بعمق. غير ان جوًّا من الحزن ساد في بعض الجماعات خلال هذه المناسبة، وكان الجميع يغادرون دون ان ينطقوا بكلمة. لكن عام ١٩٣٤، صدر كتاب يهوه (بالانكليزية) وأوضح ان الاحتفال بالذكرى لا يجب ان يتسم «بالحزن» على موت يسوع الاليم، بل «بالفرح» لأنه يحكم ملكا منذ عام ١٩١٤.
وشهدت سنة ١٩٣٥ تغييرا جذريا اثَّر على الاحتفال بالذكرى من ذلك الحين فصاعدا، اذ اتضحت هوية ‹الجمع الكثير› المشار اليه في الرؤيا ٧:٩. فحتى ذلك الوقت، كان خدام يهوه يعتقدون ان هذا الفريق يتألف من مسيحيين مكرَّسين اقل غيرة. لكنهم ميَّزوا في تلك السنة ان هذا الجمع مؤلف من عباد امناء يرجون الحياة على ارض فردوسية. ونتيجة هذا التوضيح، اجرى كثيرون من المسيحيين الاولياء فحصا ذاتيا عميقا وتوقفوا عن التناول من الرمزين. وأحدهم هو رصل بوغانسي الذي اعترف: «لم يوقظ يهوه فيّ بواسطة روحه القدس الرجاء السماوي». مع ذلك، استمر هؤلاء الاخوة في حضور الذكرى.
وخلال هذا ‹الموسم الرائع›، هيأت الحملات الكرازية الخصوصية الفرصة للجميع كي يعربوا عن تقديرهم للفدية. فأحد اعداد النشرة الصادر عام ١٩٣٢ شجَّع المسيحيين ألا يكونوا «قديسي الذكرى»، اي من الذين يتناولون من الرمزين لكنهم ليسوا «عمالا نشاطى» في نشر رسالة الحق. وعام ١٩٣٤، طلبت النشرة كارزين «اضافيين» متسائلة: «هل يصل عدد الكارزين الاضافيين الى الالف خلال موسم الذكرى؟». وقالت المخبر ان المسيحيين الممسوحين «لن تكتمل فرحتهم ما لم يشهدوا للآخرين عن الملكوت». ومع الوقت، صحّ الامر نفسه في ذوي الرجاء الارضي. *
ان كل شعب يهوه يعتبر امسية الذكرى اقدس امسية في السنة. وهم يحتفلون بها حتى في اصعب الظروف. ففي عام ١٩٣٠، مشت بيرل إنغلش وأختها أورا ٨٠ كيلومترا تقريبا لتحضرا الذكرى. وفيما كان المرسل هارولد كينغ في سجن انفرادي في الصين، كتب اشعارا وترانيم عن هذه المناسبة وصنع الرمزين من الزبيب الاسود والارزّ. فمن اوروبا الشرقية الى اميركا الوسطى الى افريقيا، تحدّى المسيحيون الشجعان الحرب والحظر ليُحيوا ذكرى موت يسوع. فأينما كنا ومهما كانت ظروفنا، فنحن نجتمع معا لنكرم يهوه الله ويسوع المسيح خلال موسم الذكرى الرائع جدا.
^ الفقرة 10 دُعيت النشرة لاحقا المخبر، وهي تُعرف اليوم باسم خدمتنا للملكوت.